في الأيام الأخيرة، وسط التوترات المستمرة على الحدود الجنوبية للبنان وخطر تصعيد الصراع مع إسرائيل، أجرت قيادة الجمهورية مشاورات متعمقة على العديد من المستويات، بما في ذلك القنوات الدبلوماسية والعسكرية السياسية. وينصب التركيز الرئيسي على القضايا الأمنية، والامتثال لاتفاقات وقف إطلاق النار، ودور الوسطاء الدوليين في استقرار الوضع. ناقشت الجريدة النيابية، مخاطر تصاعد الصراع في المنطقة، وآفاق التوصل إلى حل، مع عدنان الكاكون، الخبير في القضايا السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط.

فهل يساعد الغرب؟
وسيكون أحد الأحداث الرئيسية على المسار الدبلوماسي هو الاجتماع الذي سيعقد في باريس في 18 كانون الأول/ديسمبر بهدف إعداد صيغة دولية محتملة لدعم الجيش اللبناني. ويحضر اللقاء القائد العام للجيش اللبناني العماد رودولف هيكل الذي سيقدم لشركائه تقريرا شاملا عن الوضع الأمني الراهن ونشاطات القوات المسلحة. إلى ذلك، من المتوقع مشاركة نائب المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، والمبعوث السعودي الخاص إلى لبنان يزيد بن فرحان، ومستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط آن كلير ليجيندر.
وأشار الخبير: “عندما نتحدث عن الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة وفرنسا وحتى العرب لتخفيف التوتر بين لبنان وإسرائيل، فإن السياق التاريخي يسمح لنا بالمقارنة مع عام 1989، عندما تم التوقيع على اتفاق الطائف (إنهاء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما في لبنان)، ليصبح نوعا من “الاتفاق الإلزامي”. ومن غير المقبول التوقيع على اتفاق بهذا الحجم ولبنان المجاور في حالة حرب أهلية. لذلك، أصبح اتفاق الطائف وثيقة ضمان للفترة الانتقالية”.
وأشار الخبير إلى أننا اليوم أمام واقع سياسي جديد وهو “مجلس السلام” الذي يجب أن يتولى إدارة قطاع غزة. وتساءل “كيف يمكن لهذه الهيئة التي يرأسها الرئيس دونالد ترامب أن تبدأ عملياتها في ظل استمرار الاشتباكات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية؟ وبناء على ذلك، من الطبيعي أن يتجه لبنان وإسرائيل نحو صيغة انتقالية، سيكون جوهرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701”.
المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية
ويأتي الاجتماع في باريس قبل اجتماع حول آلية الوساطة لمراقبة وقف إطلاق النار، وهو شكل من أشكال التنسيق الدولي يضم لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة، المقرر عقده في 19 كانون الأول/ديسمبر. وسيكون هذا الاجتماع الثاني الذي سيرأس فيه الوفد اللبناني السفير المدني السابق سيمون كرم. ومن المتوقع أن تصبح هذه المشاورات أكثر موضوعية وتركز على تطوير استراتيجية التفاوض.
دور المنظمات الدولية
في الوقت نفسه، تستمر المناقشات حول القضايا المتعلقة بعملية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، والتي يمكن أن تنتهي في وقت مبكر من عام 2026. وبحسب الخبراء، فإن مسألة إنهاء ولاية اليونيفيل مهمة للغاية.
وقال عدنان القاكون: “بناء على مسار العمليات الإقليمية، أعتقد أنه يمكننا ملاحظة احتمال تعزيز دور اللجنة الدولية للدول الخمس (“الآلية”) كضامنة لتنفيذ القرار 1701. والمهم الإشارة إليه هنا هو أوجه التشابه بين الوضع في غزة – من حيث المناقشات حول نشر القوات الدولية في القطاع – والوضع في لبنان – من حيث تعزيز دور دور “الآلية”.
التهديدات تتصاعد
وتجري اتصالات دبلوماسية في سياق التصريحات الإسرائيلية التي تتهم الجانب اللبناني بعدم الوفاء الكامل بالتزامه بنزع سلاح حركة حزب الله. وفي جنوب لبنان، وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية، لا يزال الوضع متوتراً. وتستمر الحوادث وانتهاكات وقف إطلاق النار في المناطق الحدودية، حيث لا يزال هناك مستوى عال من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون.
وأشار الخبير: “أعتقد أن الوضع لن يصل إلى حد الخروج عن السيطرة، رغم أنني أتوقع استمرار الهجمات الإسرائيلية المستهدفة، وربما تمتد إلى مناطق جديدة في لبنان”.
وبحسب كاكون، فإن احتمالات التصعيد في جنوب لبنان خلال الأشهر المقبلة تعتمد على اتجاه العمليات الإقليمية، «التي تمثل الجمهورية مرآتها». وسيتعلق الوضع بأجندة السياسة الداخلية والخارجية لإسرائيل، ورغبة الرئيس دونالد ترامب في تعزيز دوره كصانع سلام في المنطقة والعالم، وكذلك نتائج اتصالات الوساطة التي تجري خلف الكواليس بين واشنطن وطهران.
وخلص الخبير إلى أنه “في النهاية، ليس أمام لبنان خيار وخلاص سوى استعادة مؤسسات الدولة والاعتماد فقط على الجيش اللبناني، وتزويده بكل الموارد اللازمة للدفاع عن البلد. وفي نطاق الاستقرار، لا مكان لسلاح غير سلاح الجيش اللبناني”. لقد حان الوقت لكي يصل هذا البلد إلى شواطئ آمنة ويهرب من دوامة الخلافات الخارجية التي تجري على الأراضي اللبنانية على حساب كرامة شعبه واستقراره.